فصل: قال في روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

فإن قيل: الآية إذا قرئت بقراءتين فالله تعالى قال بهما جميعًا أو بإحداهما؟
قيل له: هذا على وجهين: إن كان لكل قراءة معنى غير المعنى الآخر، فالله تعالى قال بهما جميعًا، وصارت القراءتان بمنزلة الآيتين، وإن كانت القراءتان معناهما واحد، فالله تعالى قال لإحداهما، ولكنه رخص بأن يقرأ بهما جميعًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وأرجلكم} قرأه نافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم، وأبو جعفر، ويعقوبُ بالنّصب عطفًا على {وأيديكم} وتكون جملة {وامسحوا برؤوسكم} معترضة بين المتعاطفين.
وكأنّ فائدة الاعتراض الإشارة إلى ترتيب أعضاء الوضوء لأنّ الأصل في الترتيب الذكري أن يدلّ على التّرتيب الوجودي، فالأرجل يجب أن تكون مغسولة؛ إذ حكمة الوضوء وهي النّقاء والوضاءة والتنظّف والتأهّب لمناجاة الله تعالى تقتضي أن يبالغ في غسل ما هو أشدّ تعرّضًا للوسخ؛ فإنّ الأرجل تلاقي غبار الطرقات وتُفرز الفضلات بكثرة حركة المشي، ولذلك كان النّبيء صلى الله عليه وسلم يأمر بمبالغة الغسل فيها، وقد نادَى بأعلى صوته للذي لم يُحسن غسل رجليه «وَيْلٌ للأعقاب من النّار».
وقرأه ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم، وخلف بخفض {وأرجلكم}.
وللعلماء في هذه القراءة تأويلات: منهم من أخذ بظاهرها فجعل حكمَ الرجلين المسح دون الغسل، وروي هذا عن ابن عبّاس، وأنس بن مالك، وعكرمة، والشعبي، وقتادة.
وعن أنس بن مالك أنّه بلغه أنّ الحجّاج خطب يومًا بالأهواز فذكر الوضوء فقال: «إنَّه ليس شيء من ابن آدم أقربَ مِن خبثه مِن قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما» فسمع ذلك أنس بن مالك فقال: صدق اللّهُ وكذب الحجّاج قال الله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم}.
ورويت عن أنس رواية أخرى: قال نزل القرآن بالمسح والسنّة بالغسل، وهذا أحسن تأويل لهذه القراءة فيكون مسحُ الرجلين منسوخًا بالسنّة، ففي الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قومًا يتوضّؤون وأعقابهم تلوح، فنادى بأعلى صوته «ويل للأعقاب من النّار» مرّتين.
وقد أجمع الفقهاء بعد عصر التّابعين على وجوب غسل الرجلين في الوضوء ولم يشذّ عن ذلك إلاّ الإمامية من الشيعة، قالوا: ليس في الرجلين إلاّ المسح، وإلاّ ابن جرير الطبري: رأى التخيير بين الغسل والمسح، وجعَل القراءتين بمنزلة روايتين في الإخبار إذا لم يمكن ترجيح إحداهما على رأي من يرون التخيير في العمل إذا لم يعرف المرجّح.
واستأنس الشعبي لمذهبه بأنّ التيمّم يمسح فيه ما كان يغسل في الوضوء ويلغى فيه ما كان يمسح في الوضوء.
ومن الذين قرأوا بالخفض من تأوّل المسح في الرجلين بمعنى الغسل، وزعموا أنّ العرب تسمّي الغسل الخفيف مسحًا وهذا الإطلاق إن صحّ لا يصحّ أن يكون مرادًا هنا لأنّ القرآن فرّق في التعبير بين الغسل والمسح. اهـ.

.قال الثعالبي:

قال *ص*: {إِذَا قُمْتُمْ} أي: إذا أردتُّم، وعبَّر بالقيامِ عن إرادَتِهِ؛ لأنه مُسَبَّبٌ عنها. انتهى.
ومِنْ أحسن الأحادِيثِ وأصحِّها في فَضْل الطهارةِ والصَّلاة: ما رواه مالكٌ في «الموطَّإ»، عن العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرحمن، عن أبِيهِ، عن أبي هريرة؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ: إسْبَاغُ الوُضُوءِ عِنْدَ المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المَسَاجِدِ، وانتظار الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».
قال أبو عمر في «التمهيد»: هذا الحديثُ مِنْ أَحْسَنِ ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في فضائِلِ الأعمالِ.
قال صاحبُ «كتاب العَيْنِ»: الرِّبَاطُ: ملازمةُ الثُّغُور، قال: والرِّبَاطُ مواظبةُ الصلاةِ أَيضًا انتهى.
والغُسْلُ، في اللغة: إيجادُ المَاء في المَغْسُول، مع إمرار شَيْء علَيْه كاليَدِ، والوَجْه ما وَاجَهَ النَّاظر وقابله، والنَّاس كلُّهم على أنَّ داخل العينَيْنِ لا يلْزَمُ غسله إلا ما رُوِيَ عنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أنه كان يَنْضَحُ الماءَ في عَيْنَيْهِ واليَدُ لغةً تَقَعُ على العُضْوِ من المَنْكِبِ إلَى أطرافِ الأصابِعِ، وحَدَّ اللَّه سبحانه مَوضِعَ الغُسْلِ منه؛ بقوله: {إِلَى المرافق}.
واختلف العلماءُ، هل تدخُلُ المرافِقُ في الغُسْلِ أم لاَ، وتحريرُ العبارةِ في هذا المعنى: أنْ يقَالُ: إذا كان مَا بَعْد إلى لَيْسَ مما قَبْلَهَا، فالحَدُّ أولُ المذكورِ بعدها، وإذا كان ما بَعْدَها مِنْ جملة ما قَبْلَهَا، فالاحتياطُ يُعْطِي أنَّ الحدَّ آخر المذكور بَعْدَها؛ ولذلك يترجَّح دخولُ المرفَقَيْنِ في الغُسْل، والروايتان عن مالكٍ، قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه»، وقد رَوَى الدارقطنيُّ وغيره عن جابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، لَمَّا تَوَضَّأَ أَدَارَ المَاءَ على مِرْفَقَيْهِ. انتهى.
واختلفَ في رَدِّ اليدَيْنِ في مَسْح الرَّأْسِ، هل هو فرضٌ أوْ سُنَّة، بعد الإجماع على أنَّ المَسْحَةَ الأولى فَرْضٌ، فالجمهورُ على أنَّه سُنَّة.
وقيل: هو فرضٌ، والإجماع على استحسَانِ مَسْحِ الرأس باليَدَيْنِ جمِيعًا، وعلى الإجزاء بواحدةٍ، واختُلِفَ فِيمَنْ مَسَحَ بأُصْبُعٍ واحدةٍ، والمشهورُ الإجزاءُ؛ ويترجَّح عدم الإجزاءِ؛ لأنه خروجٌ عن سُنَّة المَسْح، وكأنه لَعِبٌ إلاَّ أَنْ يكونَ ذلك عن ضَرَرِ مرضٍ ونحوه، فينبغي ألاَّ يُخْتَلَفَ في الإجزاء.
والبَاءُ في قوله تعالى: {بِرُؤُوسِكُمْ} مؤكِّدة زائدةٌ عند مَنْ يرى إجزاء بعض الرأْسِ؛ كأنَّ المعنى: أوجِدُوا مَسْحًا برؤوسكم، فمَنْ مَسَح، ولو شعرةً فقد فَعَلَ ذلك.
* ت *: قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه»: وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صِفَةِ مَسْحِ الرأسِ؛ «أَنه أَقْبَلَ بِيَدِهِ، وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ»، وفي البخاريِّ: «فَأَدْبَرَ بِهِمَا، وَأَقْبَلَ»، وَهُمَا صحيحانِ متوافِقَانِ، وهي مسألةٌ من «أصول الفقْهِ»؛ في تسمية الفعْلِ بابتدائه أو بغايته. انتهى.
وقرأ حمزة وغيره: {وَأَرْجُلِكُمْ} بالخفض، وقرأ نافع وغيره بالنَّصْب، والعاملُ: {اغسلوا}، ومن قرأ بالخفْضِ، جعل العامِلَ أقْرَبَ العامِلَيْنِ، وجمهورُ الأَمَّة من الصحابة والتابعِينَ على أنَّ الفَرْضَ في الرجْلَيْن الغَسْلُ، وأنَّ المَسْح لا يجزىءُ، وفي الصحيح: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ من النَّار» إذ رأى صلى الله عليه وسلم أعقابَهُمْ تلُوحُ، قال ابن العربِيِّ في «القَبَس»: ومَنْ قرأ {وَأَرْجُلِكُمْ} بالخَفْض، فإنه أراد المَسْح على الخُفَّيْن؛ وهو أحد التأويلاتِ في الآية. انتهى، وهذا هو الذي صحَّحه في «أحْكَامِهِ».
والكلامُ في قوله: {إِلَى الكعبين} كما تقدَّم في قوله: {إِلَى المرافق}، وفي «صحيح مسلم» وغيره عن عُقْبَة بْنِ عامر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يتوضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثِمَّ يَقُومُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّة»، فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدُ هذِهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ، قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أيِّهَا شَاءَ»، وأخرجه الترمذيُّ من حديثِ أَبِي إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيِّ، عن عمر، زاد في آخره: «اللَّهُمَّ، اجعلني مِنَ التَّوَّابِينَ، واجعلني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ» انتهى مختصرًا.
واختلَفَ اللغويُّونَ في {الكعبين}.
والجمهورُ على أنهما العَظْمَانِ الناتِئَانِ في جَنَبَتَيِ الرجلِ.
وألفاظُ الآيةِ تقتضِي المُوَالاَةَ بَيْن الأعضاء، قال مالك: هو فرضٌ مع الذِّكْر، ساقِطٌ مع النِّسْيان، وروى الدَّارَقُطْنِيُّ في سُنَنِهِ: «مَنْ تَوَضَّأَ، فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ على وُضُوئِهِ، كَانَ طُهُورًا لِجَسَدِهِ، وَمَنْ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يَذْكُرِ اسم اللَّهِ على وُضُوئِهِ كَانَ طُهُورًا لأعْضَائِهِ» انتهى من «الكوكب الدري».
وكذلك تتضمَّن ألفاظ الآيةِ الترتيبَ، و{اطهروا} أمُرٌ لواجدِ المَاءِ عنْدَ الجمهورِ، وقال عمرُ بْنُ الخطَّاب وغيره: لا يتيمَّمِ الجُنُبُ ألبتَّة، بل يدع الصلاةَ حتى يجد الماء. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فاطهروا}
قال الزجاج: معناه فتطهروا، إلا أن التاء تدغم في الطاء لأنهما من مكان واحد، فإذا أدغمت التاء في الطاء سكن أول الكلمة فزيد فيها ألف الوصل ليبتدأ بها.
فقيل: اطهروا.
واعلم أنه تعالى لما ذكر كيفية الطهارة الصغرى ذكر بعدها كيفية الطهارة الكبرى، وهي الغسل من الجنابة. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} [6] قال: الطهارة أربعة أشياء: صفاء المطعم وصدق اللسان ومباينة الآثام وخشوع السر، وكل واحد من هذه الأربعة يقابل بكل واحد من تطهير الأعضاء الظاهرة. قوله تعالى: {ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [6] يعني يطهركم من أحوالكم وأخلاقكم وأفعالكم، لترجعوا إليه بحقيقة الفقر من غير تعلق بسبب من الأسباب. والطهارة على سبعة أوجه: طهارة العلم من الجهل، وطهارة الذكر من النسيان، وطهارة الطاعة من المعصية، وطهارة اليقين من الشك، وطهارة العقل من الحمق، وطهارة الظن من النميمة، وطهارة الإيمان مما دونه، ولكل عقوبة طهارة، إلاَّ عقوبة القلب فإنها قسوة. اهـ.

.قال في روح البيان:

قال الشيخ النيسابورى في كتاب اللطائف:
فوائد الطهارة عشر:
طهارة الفؤاد وهو صرفه عما سوى الله تعالى.
وطهارة السر المشاهدة.
وطهارة الصدر الرجاء والقناعة.
وطهارة الروح الحياء والهيبة.
وطهارة البطن أكل الحلال والعفة عن أكل الحرام والشبهات.
وطهارة البدن ترك الشهوات وإزالة الأدناس.
وطهارة اليدين الورع والاجتهاد.
وطهارة اللسان الذكر والاستغفار. اهـ.

.قال الفخر:

لحصول الجنابة سببان:
الأول: نزول المني، قال عليه الصلاة والسلام: «إنما الماء من الماء».
والثاني: التقاء الختانين، وقال زيد بن ثابت ومعاذ وأبو سعيد الخدري: لا يجب الغسل إلا عند نزول الماء.
لنا قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا التقى الختانان وجب الغسل».
واعلم أن ختان الرجل هو الموضع الذي يقطع منه جلدة القلفة، وأما ختان المرأة فاعلم أن شفريها محيطان بثلاثة أشياء: ثقبة في أسفل الفرج وهو مدخل الذكر ومخرج الحيض والولد، وثقبة أخرى فوق هذه مثل إحليل الذكر وهي مخرج البول لا غير، والثالث، فوق ثقبة البول موضع ختانها، وهناك جلدة رقيقة قائمة مثل عرف الديك، وقطع هذه الجلدة هو ختانها، فإذا غابت الحشفة حاذى ختانها ختانه. اهـ.